أهلاً بك في يلا مزاج ...تؤمن بحق حرية التعبير للجميع
اسم المؤلف : أحمد صبري
08-09-2016 الساعه 03:55 PM 0 0
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالمسلمون أمة واحدة لا يفرقهم زمان أو مكان، فهم وإن باعدت بينهم الأسفار والمسافات إلا أن عقيدة الوحدانية التي يعتقدونها تأبى إلا أن توحدهم، وهم وإن فرقت بينهم المذاهب والأهواء إلا أن حبهم لنبيهم -صلى الله عليه وسلم- يأبى إلا أن يجمعهم.
وأمتنا الإسلامية صاحبة تاريخ مجيد وحافل بالأحداث، وهي رغم كل ما مر بها من كوارث وأزمات طوال تاريخها تعتبر من أكبر أمم الأرض عددًا؛ فتعدادها يتخطى المليار ونصف نسمة وهي -بفضل الله- في توسع دائم منذ بعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالحق في القرن السابع الميلادي؛ فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، وتوفي وقد دانت شبه جزيرة العرب واليمن بالإسلام، ثم أكمل صحابته الكرام -رضي الله عنهم- المسيرة في عصر الخلفاء الراشدين؛ ففتحوا الشام، والعراق، وفارس، وخراسان، وأذربيجان، وداغستان، وأرمينيا في قارة آسيا، وفتحوا مصر، وجزء من بلاد المغرب العربي في قارة أفريقيا.
ثم جاء عصر الأمويين الذين استكملوا الفتوحات في آسيا؛ ففتحوا بلاد ما وراء النهر وبلاد الترك “تركستان”، وبلاد السند ووصلوا إلى حدود الصين، ومن ناحية الغرب وقفوا على أبواب القسطنطينية، أما في قارة أفريقيا ففتحوا باقي بلاد المغرب العربي ووصلوا إلى أقصى سواحل المحيط الأطلسي، ثم شقوا طريقهم إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط من ناحية المغرب ففتحوا بلاد الأندلس “أسبانيا والبرتغال”، ووصلوا إلى أواسط فرنسا، ثم توقفت الفتوحات الكبرى بعد ذلك في عصر العباسيين وإن كان الأمر لم يخل من بعض المناوشات العسكرية والفتوحات لبعض المدن مثل: فتح بلاد الأناضول على أيدي “السلاجقة” في القرن الخامس الهجري، وفتح بلاد البنغال على أيدي “الغوريين” في القرن السادس الهجري، لكنها بالتأكيد لا ترقى لحركة الفتوحات الكبرى التي كانت على عهد الخلفاء الراشدين والأمويين.
ومع انتهاء الخلافة العباسية في عام 656هـ الموافق 1258م؛ وهو العام الذي سقطت فيه “بغداد” عاصمة العباسيين في أيدي “المغول” ظهرت في الأناضول قوة إسلامية جديدة شابة استطاعت أن توحد المسلمين مرة أخرى تحت إمرتها، وتعيد عصر الفتوحات الكبرى إلى الأذهان من جديد؛ ألا وهي “الدولة العثمانية”.
فتح العثمانيون القسطنطينية “إستانبول حاليًا” عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية التي روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه بشَّر بفتحها: “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش”، ثم انطلقوا إلى بلاد شرق أوروبا ففتحوا البعض وضربوا الجزية على البعض؛ فدخل الإسلام اليونان، وبلغاريا، وألبانيا، ورومانيا، ومولدوفيا، وجورجيا، وبولندا، وبلاد الصرب، والمجر، ووقفوا على أبواب فينا، كما فتحوا جزر رودس وقبرص في البحر المتوسط.
لم يكن الفتح العسكري هو الطريقة الوحيدة التي انتشر بها الإسلام في العالم، ولكن دخل الإسلام بلادًا عديدة عن طريق الدعوة التي كان يمارسها التجار المسلمون؛ سواء بطريقة مباشرة عن طريق عرض الإسلام صراحة، أو بطريقة غير مباشرة عندما يرى الناس أخلاق التجار المسلمين وصدقهم في الحديث وأمانتهم؛ فيُعجبوا بالإسلام ويدخلوا فيه، وكان لاتساع رقعة العالم الإسلامي أثره في سيطرة المسلمين على طرق التجارة العالمية آنذاك وكانت أربع طرق رئيسية:
طريق الخليج العربي: يبدأ من إندونيسيا وماليزيا إلى بحر العرب إلى مضيق هرمز إلى الخليج العربي إلى شط العرب، بغداد، الشام، آسيا الصغرى ثم إلى أوروبا.
طريق البحر الأحمر: يبدأ من الهند، شرق أفريقيا إلى المحيط الهندي إلى مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر إلى خليج السويس إلى غزة، الإسكندرية ثم إلى أوروبا.
طريق البر الغربي: يبدأ من الهند، شرق أفريقيا ثم برًا إلى اليمن إلى الحجاز إلى الشام ثم إلى أوروبا.
طريق البر الصيني: ويسمى أيضًا طريق الحرير، ويبدأ من الصين إلى الهند إلى خراسان إلى العراق إلى الشام إلى مصر، بلاد المغرب ثم إلى أوروبا، وقد نشأ على هذا الطريق الكثير من المدن الإسلامية الكبرى مثل: طشقند، وبُخارى، وسمرقند.
كانت القوافل التجارية المارة على هذه الطرق تحمل البهارات والتوابل، والأحجار الكريمة والذهب، وريش النعام، والعاج واللؤلؤ من: الهند والصين، وإندونيسيا وماليزيا وشرق أفريقيا والبحرين واليمن، وكانت المحطات الموجودة في آخر الطرق التجارية هي الأماكن المعنية من بداية الرحلة؛ لأن منتجاتها هي المنتجات المرغوبة؛ لذا تطول إقامة التجار فيها حتى يبيعوا كل ما معهم من بضائع، ثم يشتروا بضائع جديدة، وبالتالي تزداد صلتهم مع سكان هذه البلدان فينتشر الإسلام فيها، وأكبر مثال على هذا النوع من البلدان إندونيسيا وماليزيا.
ومن إندونيسيا انطلق الدعاة إلى الجزر القريبة لدعوة أهلها فدخل الإسلام إلى الفلبين، وفيتنام، وجزر المالديف؛ بينما كان بُعد جزر اليابان عن مراكز المسلمين التجارية سببًا في تأخر وصول الإسلام إليها.
وترتفع نسبة المسلمين في السواحل المحدبة الموجودة على طرق التجارة البحرية؛ لأن هذا النوع من السواحل يصلح لإقامة الموانئ فتقف السفن عليها لالتقاط الأنفاس والتجارة مع أهلها، ومن أمثلة هذا النوع سواحل الصين مثل: شنغهاي، وشانتونغ، وسواحل الهند الغربية والجنوبية.
أما السواحل المقعرة فلا تصلح لإقامة المواني؛ لذا كانت السفن التجارية تبتعد عنها وبالتالي لم ينتشر الإسلام فيها عن طريق التجارة البحرية، ومن أمثلة هذا النوع: خليج البنغال انتشر الإسلام فيه بسبب الفتح العسكري، وسواحل الهند الشمالية، وسواحل بورما، وتايلاند، وكمبوديا، دخلها الإسلام بعد نزوح مسلمي فيتنام إليها كما انتشر الإسلام في الصين، وفي شمال الهند عن طريق التجارة البرية.
وفي أفريقيا اتجه المسلمون نحو سواحل شرق أفريقيا المطلة على المحيط الهندي وكانت هذه السواحل آخر محطات السفن التجارية مما سهَّل انتشار الإسلام في هذه المناطق، وإن بقي الإسلام محصورًا في السواحل مثل: الصومال، وكينيا، وزنجبار، وجزر القمر، وجزر بمبا، ولم يتوغل إلى الداخل بسبب طبيعة المناخ والغابات الوعرة.
وفي القرن السادس عشر الميلادي شجَّع سلاطين العثمانيين التجار على التوغل داخل أفريقيا ووفروا لهم الحماية فوصلوا إلى ضفاف نهر الكونغو حيث نشروا الإسلام هناك، وعلى طول الطرق التي سلكوها في تنزانيا، ورواندا، وبوروندي، وزائير، وانتشر الإسلام بواسطة التجارة البرية في دول جنوب الصحراء الكبرى مثل: تشاد، والنيجر، ونيجيريا.
وهناك عوامل ساعدت على انتشار الإسلام في أفريقيا مثل: تنقل بعض القبائل وراء المراعي من جنوب الصحراء إلى شمالها ذهابًا وإيابًا؛ فكثر احتكاكهم بالمسلمين، ودخل الكثير منهم في الإسلام، وكذلك الدول التي قامت في أفريقيا كان لها أكبر الأثر في نشر الإسلام في الغرب الأفريقي مثل: دولة المرابطين في المغرب العربي في القرن الخامس الهجري، ومملكة غانا الجديدة في القرن الخامس الهجري، ومملكة مالي التي استمرت من القرن السابع إلى القرن التاسع الهجري.
وهكذا انتشر الإسلام في قارات العالم المعمور آنذاك: آسيا وأفريقيا وأوروبا… وكانت الدولة الإسلامية هي الدولة التي لا تغيب عنها الشمس، وكانت الحروب الدائرة بين المسلمين ونصارى أوروبا دائمًا ما تنتهي لصالح المسلمين حتى لو كانت الغلبة للأوروبيين في بعض الأوقات، ونستطيع أن نقول بملء أفواهنا: إنه منذ القرن الثامن الميلادي وحتى القرن السادس عشر الميلادي كانت الدولة الإسلامية هي القوة العظمى الأولى في العالم: عسكريًا، واقتصاديًا، وفكريًا، وعلميًا؛ سواء في عصر خلفائها الراشدين، أو في طورها: الأموي أو العباسي أو العثماني
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/politics/7393.html#ixzz4JfV8JPaZ
التعليقات